تسبب النزاع في اليمن في عكس مسار عقود من التقدم في مجال التنمية، مما أدى إلى تصدع مؤسسات الدولة الضعيفة أصلاً. وعلى الرغم من مواجهة سنوات من النزاع العنيف، إلا أن القطاع الخاص في اليمن تمكن بطريقة ما ليس فقط من البقاء على قيد الحياة فحسب، بل لعب دوراً حاسماً في الحفاظ على الاقتصاد من الانهيار الشامل، ومعالجة ما كان يمكن أن يكون كارثة إنسانية أسوأ بكثير. ومع أن النزاع في اليمن يُصنف حالياً على أنه نزاع طويل الأمد، إلا أنه يتجه نحو مستويات أكثر انخفاضاً للعنف المسلح، مما يتيح فرصاً لدعم وإشراك القطاع الخاص بشكل أكثر فعالية لتحفيز النشاط الاقتصادي ومساعدة البلاد على الانتقال بعيداً عن الاعتماد على المساعد تا الإنسانية.
لقد مثل القطاع الخاص المصدر الرئيسي لفرص العمل والإيرادات الضريبية في البلاد، ولعب أيضاً دوراً مهماً في توريد السلع الأساسية وتحسن مهارات القوى العاملة والدفع بالابتكار وتوفير البنية التحتية الحيوية. لذلك، كما هو الحال في أي بلد آخر متضرر من النزاع، فإن القطاع الخاص في اليمن يُعد بالغ الأهمية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي الشامل؛ ويبدو أن نموه شرط أساسي للتعافي بعد انتهاء النزاع. الجدير بالذكر أنه وحتى أثناء النزاع، تمكنت غالبية شركات القطاع الخاص من الاحتفاظ بموظفيها، وكانت الشركات الكبيرة والمتوسطة هي الأكثر قدرة على خلق فرص العمل واستدامتها، كون الحفاظ على الوظائف الحالية وخلق وظائف جديدة أمر بالغ الأهمية ليس فقط لسبل كسب العيش أثناء النزاع الجاري، بل وأيضاً للحفاظ على مهارات القوى العاملة التي تُعد شرطاً رئيسياً للتعافي بعد انتهاء النزاع.
إلى جانب مساهمات القطاع الخاص من خلال عملياته التجارية، تسلط الدراسة الضوء على المسؤولية الاجتماعية والدور الخيري الذي تقوم به المؤسسات الخيرية والتنموية الممولة من القطاع الخاص مثل توزيع المواد الغذائية وإعادة تأهيل البنية التحتية وتمويل بناء و/ أو تشغيل مرافق التعليم العام والمرافق الصحية ومرافق المياه، وتمويل برامج التدريب وخاصة للشباب والنساء. كما قامت الشرك تا الخاصة المحلية بالشراكة مع المجتمع الدولي لإنشاء مؤسسات مهمة مثل بنك الطعام اليمني وبنك الدواء اليمني
إن الروابط العميقة للقطاع الخاص بالمجتمعات المحلية واستراتيجياته طويلة الأجل توفر له المشروعية المحلية والشبكات الموثوقة الراسخة في أرجاء المحافظات والقرى والقبائل والأسواق، مما ويفر إمكانات فريدة للقطاع الخاص نادراً ما يتم استغلاها للعب دور مهم في جهود بناء السلام الجارية. وقد تمكن القطاع الخاص من لعب هذا الدور المهم في حالات قليلة في اليمن، مثل جهود الوساطة التي بذلتها الجهات الفاعلة في القطاع الخاص في أزمة ناقلة النفط «صافر»، وجهود المناصرة للأمن الغذائي في اليمن في ظل الأزمة الأوكرانية، والجهود المبذولة وراء الكواليس لتهدئة واحتواء أثر السياسات المتباينة والمتضاربة أحياناً للأطراف المختلفة في القطاع المصرفي.
تقدم هذه الدراسة تحليلاً شاملاً لأداء منشآت القطاع الخاص خلال النزاع الطويل الأمد في اليمن منذ عام 2015، ويتتبع أثر النزاع على الشركات اليمنية، وفي الوقت نفسه يسلط الضوء على مساهماتها المستمرة في الاقتصاد. نظراً لانهيار قدرات القطاع العام بسبب النزاع، تدخلت شركات القطاع الخاص ولعبت دوراً أكبر في توفير الخدمات مثل الصحة والتعليم والكهرباء. لكن، ربما كان الدور الأكثر أهمية الذي لعبه القطاع الخاص هو دوره في منع انتشار المجاعة من خلال استيراد معظم احتياجات اليمن من المواد الغذائية (يُقدر استيراد القطاع الخاص بنحو ٪85 من المواد الغذائية المستوردة في عام 2020)، إلى جانب محافظته على استمرارية كافة أجزاء سلسلة القيمة للأغذية: من البنوك التي تسعى جاهدة للحفاظ على العلاقات المصرفية الدولية لتتمكن من الدفع للموردين، إلى شركات الشحن التي تتنقل في دهاليز شروط الشحن المعقدة إلى موانئ اليمن، إلى شركات النقل التي تتكيف مع تحديات النقل الداخلي المتزايدة، إلى شركات تصنيع الأغذية التي تواصل إنتاجها، وأخيراً إلى قطاعي الجملة والتجزئة الذين يبقيان الأغذية على الرفوف في جميع أنحاء الباد.